23‏/10‏/2014

المعوقون بين آلام الماضي وآمال المستقبل

رغم أن الشخص المعوق إنسان يحمل نفس الأحاسيس والمشاعر التي يحملها الآخرون ورغم أنه مواطن تنسب إليه ـ نظريا ـ نفس الواجبات والحقوق، إلا أنه وجد نفسه خارج دائرة الاهتمام يتقدمه الجميع بحجة أنهم أصحاء وأنه معاق.

وقد انطبعت هذه العقلية الإقصائية في وجدان الإنسان الموريتاني لتشق طريقها نحو أذهان الكثير من النخبة الصانعة للقرار والمراقبة لصناعته، فذهبت حقوق المعوقين ضحية لتهميش أولي الأرحام وظلم ذوي القربى الذي هو أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند.

وتتجلى مظاهر تلك النظرة المزدرية في :

1 ـ التسرب المدرسي الذي يعتبر الصفة الكاشفة لأفراد هذه الشريحة الوافرة في البلاد وما ذلك إلا بسبب عدم اهتمام المجتمع والدولة على حد سواء.

2 ـ الحواجز والعقبات التي ينصبها أطرنا ومديرو مؤسساتنا التعليمية أمام أصحاب  الهمم والعزائم من أولئك في جميع المراحل التعليمية، ممثلة في رفض ملفات الترشح تارة، وعدم توفير مستلزمات الدراسة تارة، إضافة إلى عبارات التثبيط والإهانة التي يجرح بها المربون الإفتراضيون خواطر كانت جريحة أصلا.
3 ـ المصير القاتم الذي يمثل نتيجة حتمية للمصر منهم على مواصلة المشوار الدراسي، فبعد كل تلك الجهود المضنية والمساعي الكليلة يرى الشخص المعوق نفسه مكبلا أمام جدار العزل الوظيفي السميك، كي يطوي صفحة التعب الدراسي ليستقبل مرحلة ظلامية جديدة، يرمى خلالها في غياهب البطالة ودركات الحرمان دون اكتراث بهمومه أو انتباه إلى معاناته. ولابأس أن أروي طرفا من ما واجهني على ذلك السبيل بوصفي أحد المكتوين بلظاه النزاعة للشوى رغم أنني لا أحب الشخصنة ولا الأنانية:

لقد صممت سنة 2007 على خوض مغامرة الترشح لنيل شهادة الباكلوريا لأجد نفسي بين مطرقة تعنت المسؤولين وسندان عدم مبالاة الوسطاء، الذين انقسموا حيال شكواي إلى مثبط ومستسلم وغير آبه، والأدهى من ذلك والأمر أنني وجدت نفس التنصل واللامبالاة من منتخبين طالما وعدونا برفع الظلم والإنحياز إلى قضايا الضعفاء والمهمشين، ولربما أكون قد انتخبت بعضهم وعبأت لصالحه في حملة انتخابية لم يجف قلمي من تسطير فصولها بعد، ولم أترك بابا يمكنني طرقه إلا طرقته بحثا عن مجرد قبول الترشح لتلك الشهادة، حتى تبدت لي بارقة أمل في آخر نفق مظلم كاد أن يعصف بمستقبلي، ولم ألق أي تعاطف أو تعاط من خليل أو رفيق إلا من يجمعني معهم خيط الإعاقة البصرية، كأننا دولة انفصالية مارقة ترتكب جرائم حربية أو تمتلك أسلحة دمار شاملة.

وفي نفس التجربة المرة وفي الفخ ذاته وقعت أختي الكفيفة أم عبد الله، حيث قضت عاما دراسيا كاملا بين المنزل والمدرسة في رحلة كدحية تصرف عليها من تدريسها المحضري الذي اضطرت إلى مزاوجته مع التحضير للامتحان سعيا إلى نفس الحلم البعيد المنال بالنسبة لمواطني الدرجة الخامسة في نظر الكثير.

ولا أنسى تلك الكلمات الوقحة والعبارات الجارحة التي واجهني بها بعض مديري الامتحانات دون جرم اقترفته أو إساءة أسأت بها إلى أحدهم، سوى أنني طالبت بالحصول على أبسط الحقوق الدراسية.

ولم تنته المعاناة عند ذلك، لا لا وألف لا، بل تعمقت خلال مراحل التعليم الجامعي، وازدادت تعقيدا واتساعا، لكن  تم تجاوزها لا إلى بر الإنصاف أو شاطئ العدل، بل إلى مهامه الإقصاء ومفازات التهميش، سواء على مستوى التكميل الدراسي أو الولوج إلى السلك الوظيفي، إذ يشترط القائمون على كل تلك المسارات السلامة البدنية، لأننا في واقع الحال ضحايا لسياسات جائرة ومفاهيم خاطئة، ومن المعلوم في الفقه الإسلامي أن السلامة من العيوب شرط في إجزاء الضحية.

وبالجملة فقد عشنا بين شقي رحى القطاعين العمومي والخصوصي، فلا اكتتاب في العمومي ولا تعاقد مع الخصوصي، تتعدد الأعذار والمانع واحد، هو الإعاقة البدنية.

ورغم أننا في بلد نملك قسطا من مقدراته وثرواته، ونستظل كغيرنا تحت ظله، ونحمل جنسية منسوبة إليه، فإننا لا ننظر إلى هذا الاكتتاب المتوقع الشهر القادم لهذه الشريحة على اعتبار أنه حق مسلوب استعدناه، أو مكسب مفقود انتزعناه كباقي الطبقات المهمشة، لأنها مختلفة عنا تماما، فهي محط اهتمام من كل الفاعلين في الشأن العام الوطني، سياسيين ونقابيين وصحفيين ومجتمع مدني، والجميع مجمع على عدالة قضاياهم، والكل في سباق على درب خدمتها والدفاع عنها، عكس شريحة ذوي الإحتياجات الخاصة التي لم تشغل ثانية واحدة من وقت أي نائب برلماني، ولم يرفع بها أي منتخب رأسا، علما أن شكاوى كثيرة وجهت لبعض النواب الذين اشتهروا بالدفاع عن المظلومين ورفع مشاكل المقهورين، بيد أن أحدا لم ينبس بكلمة تعاطفية واحدة تشعر الشخص المعاق بأخوة الدين والدم والدار.

كلها أمور طبيعي أن تستدر منا كفلا من التنويه والإعجاب بهذه اللفتة الرئاسية الكريمة بعد ردح من الإهمال ورفض تصنيفنا ضمن المنظومة الوطنية، أجل إنها خطوة مهمة جاءت بعد أن لفتنا جلابيب اليأس وغيبتنا سراديب الإحباط، وتكتسي هذه المكرمة الرئاسية رونقا جماليا خاصا لا تبصره عين الرأس، وإنما تراه عين رأت بطريقة ما تجاهل الرسميين على اختلاف مناصبهم وانتماءاتهم.

إننا نثمن لسيادة رئيس الجمهورية هذا الإنجاز التاريخي الذي يسجل في رصيده الإيجابي غير أننا نسجل الملاحظات التالية:

1 ـ كون هذه المسابقة لا تشتمل على ما يضمن الشفافية في اختصاصها بالمعوقين كبطاقة إثبات الإعاقة.

2 ـ إننا نحذر من الانصياع للبيانات الإقطاعية غير المحترمة التي يطالب فيها بعض المهوسين بالتراجع عن كتتاب المعوقين في بعض الوظائف الإدارية، كأنها ملك شخصي أحرزوه تحبيسا أو توريثا، إذ يشكل أي تنفيذ لما طالب به أولئك الغوغائيون خرقا سافرا للاتفاقية الدولية لحماية المعوقين التي صادقت عليها موريتانيا سنة 2010.

3 ـ إننا نلفت نظر الرأي العام الوطني إلى أن إسناد المهام الوظيفية لكفء معاق يساوي إسنادها لكفء سليم، وأن المعوقين في العالم الحر يشغلون أعلى المناصب وأكثرها حساسية، ولنأخذ على سبيل التمثيل الكفيفين عمدة نيويورك ومديرة المكتب الوطني للإحصاء بكندا نموذجين على أن القدرة على تسيير الأعمال وإدارة المؤسسات تعتمد في معظمها على الأفكار لا على العضلات.

4 ـ إننا نعلم أن ملفات ليست باليسيرة قد أعدت على الرفوف قصد مزاحمتنا في المسابقة القادمة، وإننا نهيب بالسيد رئيس الجمهورية أن يتدخل شخصيا لحماية قراره الشجاع الذي أنصف بموجبه شريحة ظلت مرمى لسهام التسلط والإستبداد عقودا طويلة اختزلت واقعها في قول امرئ القيس:

وليل كموج البحر أرخى سدوله .... علي بأنواع الهموم ليبتلي

فيالك من ليل كأن نجومه .... بكل مغار الفتل شدت بيذبل
أبو طارق محمد ولد الشيخ


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق