في مساء من ربيع سنة 1978 كان الرئيس الراحل المختار ولد داداه
في طريقه لتدشين طريق الأمل الرابط بين نواكشوط والنعمة...
في ذلك المساء احتشد جميع سكان قرية أغشوركيت الصغيرة لاستقبال رئيس الجمهورية ، فمجرد رؤية الرئيس وجها لوجه آنذاك ،كانت تتصدر مطالب المواطنين!
لن أنسى ذالك اليوم التاريخي بالنسبة لنا نحن الأطفال فقد قضينا أسبوعا كاملا بدون دراسة للتدريب علي نشيد الحفل، وقد تم اختياري من طرف لجنة التنظيم لأحمل إناء اللبن وأقدمه لرئيس الجمهورية، وكان ذلك سببا كافيا لينظر إلي تلاميذ المدرسة الابتدائية الوحيدة في القرية نظرة إعجاب وتقدير...لكن المشكلة لم تكن في حمل إناء اللبن دون ارتعاش فقط ...بل كان التحدي الأكبر في أن اللجنة تصر أن أقول - وأنا أقدم الإناء لرئيس الجمهورية - " يحيا الرئيس...لا .. لهيمنة الجزائر!" .. لازلت أذكر كم تعبت لجنة التنظيم في تحفيظي كلمة "هيمنة"!
لم تسعفني مخيلتي الصغيرة بمعني الكلمة ...فأنا لا أعرف إلا أن الجزائر دولة تحد موريتانيا ! لكنني لا أعرف أن موريتانيا في حرب مع الصحراء وأن الجزائر تدعم الصحراء آنذاك !
عندما وصل رئيس الجمهورية كنت أول من استقبله وناولته الإناء...وقلت له "يحيا الرئيس...لا لهيمنة الجزائر !" وكنت مصرة أن أرفع رأسي وأتطلع في وجهه لأعرف رد ة فعله...رأيته يبتسم وهو يربت علي كتفي، بحرارة...قلت في نفسي لاشك أن هذه الكلمة "مهمة" مادامت تجعل رئيس الجمهورية يبتسم !
لكن ابتسامة الرئيس - علي أهميتها عندي- لم تنسني ما عانيته في سبيل حفظ كلمة "هيمنة"، التي جعلت لجنة التنظيم توبخني في بعض الأحيان وتهدد بضربي لأنني كنت مصرة علي قول "الهينمة"، بدل "الهيمنة" ومنذ ذلك اليوم أصبحت أكره هذه الكلمة ! وتذكرني بالتسلط والتخويف وفرض الرأي الآخر !
تذكرت كلمة "الهيمنة " عندما سمعت الرئيس الفرنسي هولاند يصرح " أن ليس لفرنسا أي هدف من وراء حرب مالي !" وكأنه يريد إقناعنا نحن الأفارقة بأن فرنسا تشن حربها وتضحي بأبنائها من أجل سواد عيوننا متناسيا أننا ندرك جيدا أن مواقف فرنسا الخارجية وسلوكها الدولي محكوم بمصلحتها الذاتية الضيقة قبل كل شيء ، وأن الحفاظ علي أمن وسلامة إفريقيا هو نوع من محاولة إعادة استعمار المنطقة في شكل جديد يعرف ب "الهيمنة" الاقتصادية والسياسية، فنحن نعرف أن فرنسا لم تغير نظرتها فمازالت هي نفسها التي قال ممثلها في عشرينيات القرن الماضي يوصي طاقم مدرسة في السنغال :" إن مهمتكم أن تدرسوا لهم تاريخ فرنسا وعظمة رجالها وقادتها بل وفنانيها حتى يكونوا فرنسيين أكثر منا " ، وهذه دعوة صارخة للقضاء علي القيم الثقافية والتاريخية لدولة السنغال.
وقد نشر موقع منتديات "تونزيا" مؤخرا أن أحد النواب في البرلمان البلجيكي قال إن الهدف من الحرب على مالي هو السيطرة على اليورانيوم ، فنحن كما يقول البرلماني " لسنا مغفلين" و نعرف أن فرنسا تقوم بهذه الحرب لإنقاذ شركاتها و مجابهة القوة الاقتصادية الصينية ومساعدة أمريكا على الحفاظ على مكانتها العالمية و أن الشعارات التي ترفعها فرنسا مثل : "محاربة الإرهاب" و "الدفاع عن حقوق الإنسان" هي شعارات مخادعة للشعوب ".
بل قد اعترف الصحفي الفرنسي، فريدريك كور فواز هو الآخر "بأن غنائم التدخل الفرنسي في مالي هي اليورانيوم والذهب و الماس والنفط" ، وهذا في رأيي ما جعل أحد قواد الجيش الفرنسي يلوح بأنه لا يعرف هل باستطاعة الجيش المالي أن يحفظ الوضع الأمني بعد انتهاء الحرب ! مما يعتبرإشارة واضحة للبحث عن مبررات للبقاء الفرنسي مستقبلا بحجة الحفاظ على الأمن، من أجل تنفيذ مخططهم وزرع المزيد من الصراعات والفتن بين المكونات العرقية للشعب المالي المسلم لخلخلة الأمن وإضعاف قوة الدولة والسيطرة علي مناجمها والهيمنة على المنطقة بكاملها في زمن شهد فيه النفوذ الفرنسي(الاقتصادي والسياسي واللغوي) تراجعا كبيرا علي المستوى العالمي .
نحن الأفارقة مازال يطبع سلوكنا السياسي نوع من البراءة إن لم أقل السذاجة، فعندما تقع مشكلة في أي دولة لا نسعى إلي احتواء الأزمة مازالت بسيطة باعتبار ذلك تدخلا في الشؤون الداخلية للدولة ، حتى تتدخل دولة أخري تدفعها مصالحها الذاتية فتقنعنا بالدخول تحت أجنحتها لمنحها الشرعية الدولية لتنفيذ أطماعها .
فلو جاء التدخل الإفريقي قبل الآن لإنصاف الأزواديين وخلق حوار وطني ، أو جاء التدخل عندما وقع الانقلاب وشكلت لجنة افريقية لإدارة الأزمة ،أو وضعت إستراتيجية مشتركة للعمل الإفريقي لمجابهة الإرهابيين بقيادة افريقية محضة ، صادقة في دفاعها عن مالي وتحرص علي وحدة ومصلحة دولة يجمعها الدين والتاريخ والوطن ...
لو جاء التدخل الإفريقي قبل الآن لما تركنا الفرصة لدولة أجنبية لها أطماع مكشوفة تتدخل بحجة مكافحة الإرهاب فتقتل المدنيين وتشرد النساء والأطفال وتشجع الصراع الطائفي والعرقي وتغض الطرف عن أبشع انتهاكات حقوق الإنسان ..
إن قبائل البامباري و المالنكي و الساركولو والطوارق أسسوا معا دولة مالي المسلمة المسالمة التي يتحدث أهلها كل صباح عن فيهرون آغ أمنصار المعروف بوطنيته وكراهيته للمستعمر الفرنسي، و كانكو موسا صاحب أشهر حجَةٍ إلي الديار المقدسة والمعروف بكثرة بنائه للمساجد ونشره للإسلام.
نهاية حرب مالي ليست قريبة كما يصرح مهندسوها كل يوم..بل يبدو أنها مجرد البداية لتنفيذ مخطط كبير يهدف إلي زعزعة المنطقة بكاملها ، والسيطرة علي غرب وشمال إفريقيا ...
والآن بعد آلاف القتلى والنازحين والمشردين ، فلمن يا ترى أقدم إناء اللبن هذا الربيع وأقول " تحيا إفريقيا ...لالهيمنة فرنسا"
في ذلك المساء احتشد جميع سكان قرية أغشوركيت الصغيرة لاستقبال رئيس الجمهورية ، فمجرد رؤية الرئيس وجها لوجه آنذاك ،كانت تتصدر مطالب المواطنين!
لن أنسى ذالك اليوم التاريخي بالنسبة لنا نحن الأطفال فقد قضينا أسبوعا كاملا بدون دراسة للتدريب علي نشيد الحفل، وقد تم اختياري من طرف لجنة التنظيم لأحمل إناء اللبن وأقدمه لرئيس الجمهورية، وكان ذلك سببا كافيا لينظر إلي تلاميذ المدرسة الابتدائية الوحيدة في القرية نظرة إعجاب وتقدير...لكن المشكلة لم تكن في حمل إناء اللبن دون ارتعاش فقط ...بل كان التحدي الأكبر في أن اللجنة تصر أن أقول - وأنا أقدم الإناء لرئيس الجمهورية - " يحيا الرئيس...لا .. لهيمنة الجزائر!" .. لازلت أذكر كم تعبت لجنة التنظيم في تحفيظي كلمة "هيمنة"!
لم تسعفني مخيلتي الصغيرة بمعني الكلمة ...فأنا لا أعرف إلا أن الجزائر دولة تحد موريتانيا ! لكنني لا أعرف أن موريتانيا في حرب مع الصحراء وأن الجزائر تدعم الصحراء آنذاك !
عندما وصل رئيس الجمهورية كنت أول من استقبله وناولته الإناء...وقلت له "يحيا الرئيس...لا لهيمنة الجزائر !" وكنت مصرة أن أرفع رأسي وأتطلع في وجهه لأعرف رد ة فعله...رأيته يبتسم وهو يربت علي كتفي، بحرارة...قلت في نفسي لاشك أن هذه الكلمة "مهمة" مادامت تجعل رئيس الجمهورية يبتسم !
لكن ابتسامة الرئيس - علي أهميتها عندي- لم تنسني ما عانيته في سبيل حفظ كلمة "هيمنة"، التي جعلت لجنة التنظيم توبخني في بعض الأحيان وتهدد بضربي لأنني كنت مصرة علي قول "الهينمة"، بدل "الهيمنة" ومنذ ذلك اليوم أصبحت أكره هذه الكلمة ! وتذكرني بالتسلط والتخويف وفرض الرأي الآخر !
تذكرت كلمة "الهيمنة " عندما سمعت الرئيس الفرنسي هولاند يصرح " أن ليس لفرنسا أي هدف من وراء حرب مالي !" وكأنه يريد إقناعنا نحن الأفارقة بأن فرنسا تشن حربها وتضحي بأبنائها من أجل سواد عيوننا متناسيا أننا ندرك جيدا أن مواقف فرنسا الخارجية وسلوكها الدولي محكوم بمصلحتها الذاتية الضيقة قبل كل شيء ، وأن الحفاظ علي أمن وسلامة إفريقيا هو نوع من محاولة إعادة استعمار المنطقة في شكل جديد يعرف ب "الهيمنة" الاقتصادية والسياسية، فنحن نعرف أن فرنسا لم تغير نظرتها فمازالت هي نفسها التي قال ممثلها في عشرينيات القرن الماضي يوصي طاقم مدرسة في السنغال :" إن مهمتكم أن تدرسوا لهم تاريخ فرنسا وعظمة رجالها وقادتها بل وفنانيها حتى يكونوا فرنسيين أكثر منا " ، وهذه دعوة صارخة للقضاء علي القيم الثقافية والتاريخية لدولة السنغال.
وقد نشر موقع منتديات "تونزيا" مؤخرا أن أحد النواب في البرلمان البلجيكي قال إن الهدف من الحرب على مالي هو السيطرة على اليورانيوم ، فنحن كما يقول البرلماني " لسنا مغفلين" و نعرف أن فرنسا تقوم بهذه الحرب لإنقاذ شركاتها و مجابهة القوة الاقتصادية الصينية ومساعدة أمريكا على الحفاظ على مكانتها العالمية و أن الشعارات التي ترفعها فرنسا مثل : "محاربة الإرهاب" و "الدفاع عن حقوق الإنسان" هي شعارات مخادعة للشعوب ".
بل قد اعترف الصحفي الفرنسي، فريدريك كور فواز هو الآخر "بأن غنائم التدخل الفرنسي في مالي هي اليورانيوم والذهب و الماس والنفط" ، وهذا في رأيي ما جعل أحد قواد الجيش الفرنسي يلوح بأنه لا يعرف هل باستطاعة الجيش المالي أن يحفظ الوضع الأمني بعد انتهاء الحرب ! مما يعتبرإشارة واضحة للبحث عن مبررات للبقاء الفرنسي مستقبلا بحجة الحفاظ على الأمن، من أجل تنفيذ مخططهم وزرع المزيد من الصراعات والفتن بين المكونات العرقية للشعب المالي المسلم لخلخلة الأمن وإضعاف قوة الدولة والسيطرة علي مناجمها والهيمنة على المنطقة بكاملها في زمن شهد فيه النفوذ الفرنسي(الاقتصادي والسياسي واللغوي) تراجعا كبيرا علي المستوى العالمي .
نحن الأفارقة مازال يطبع سلوكنا السياسي نوع من البراءة إن لم أقل السذاجة، فعندما تقع مشكلة في أي دولة لا نسعى إلي احتواء الأزمة مازالت بسيطة باعتبار ذلك تدخلا في الشؤون الداخلية للدولة ، حتى تتدخل دولة أخري تدفعها مصالحها الذاتية فتقنعنا بالدخول تحت أجنحتها لمنحها الشرعية الدولية لتنفيذ أطماعها .
فلو جاء التدخل الإفريقي قبل الآن لإنصاف الأزواديين وخلق حوار وطني ، أو جاء التدخل عندما وقع الانقلاب وشكلت لجنة افريقية لإدارة الأزمة ،أو وضعت إستراتيجية مشتركة للعمل الإفريقي لمجابهة الإرهابيين بقيادة افريقية محضة ، صادقة في دفاعها عن مالي وتحرص علي وحدة ومصلحة دولة يجمعها الدين والتاريخ والوطن ...
لو جاء التدخل الإفريقي قبل الآن لما تركنا الفرصة لدولة أجنبية لها أطماع مكشوفة تتدخل بحجة مكافحة الإرهاب فتقتل المدنيين وتشرد النساء والأطفال وتشجع الصراع الطائفي والعرقي وتغض الطرف عن أبشع انتهاكات حقوق الإنسان ..
إن قبائل البامباري و المالنكي و الساركولو والطوارق أسسوا معا دولة مالي المسلمة المسالمة التي يتحدث أهلها كل صباح عن فيهرون آغ أمنصار المعروف بوطنيته وكراهيته للمستعمر الفرنسي، و كانكو موسا صاحب أشهر حجَةٍ إلي الديار المقدسة والمعروف بكثرة بنائه للمساجد ونشره للإسلام.
نهاية حرب مالي ليست قريبة كما يصرح مهندسوها كل يوم..بل يبدو أنها مجرد البداية لتنفيذ مخطط كبير يهدف إلي زعزعة المنطقة بكاملها ، والسيطرة علي غرب وشمال إفريقيا ...
والآن بعد آلاف القتلى والنازحين والمشردين ، فلمن يا ترى أقدم إناء اللبن هذا الربيع وأقول " تحيا إفريقيا ...لالهيمنة فرنسا"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق